"روَى" نواة ثقافة من جامعة المعارف إلى قلعة بعلبك

بتول عبد الساتر – خرّيجة كلية الإعلام والفنون في جامعة المعارف
حفرت ملعقة المعرفة نفقًا لتحرير العقول من أسر التأطير والمحدودية، حتى أبصرت النور في حرم مكتبة جامعة المعارف. فكرةٌ تشبه السهل الممتنع في شعر القباني: مجموعةٌ شبابية يجمعهم على تنوعهم حبّ الكتاب والقضية، يحمل كلٌ منهم كتابًا ويطرحه على زملائه، وبدورهم ينتقون من بين الغث والسمين ما يطيب لرؤيتهم ومبادئهم.
لاقت الفكرة رواجًا بين الطلاب، ورحبّ بها نادي المطالعة في جامعة المعارف باذلًا كل مقدراته في دعمها وتطويرها. وبعد الاجتماع بعدة شخصيات لها باعها في عالم الكتاب، توجهنا إلى عميد كليّة الإعلام والفنون في الجامعة، الدكتور علي الطقش، وفي البال حلمٌ عمره من عمر الطفولة "لنصدّر الفكرة إلى البقاع بنادي مطالعة يكون شريكًا في صناعة الإنسان المثقف". وبالفعل هذا ما حصل، كانت الجلسة الافتتاحية في بعلبك في المكتبة العامة مع أبناء المنطقة. أطلقنا على النادي اسم "رَوى". الاسم جاء ملائمًا لرواية الكتب في اسمه ورسمه، ومؤشراً إلى وجود نواة ثقافية ومعرفية شبابية في بعلبك، تحتاج لمن يرويها حتى تزهر فتثمر. وهكذا بدأت رواية "روَى"...
في أواخر شهر آب عام 2018، تعاونت مجموعة شبابية بقاعية مخلصة للمبادرة، وجهدت في بناء المشروع وحضنه وتطويره. ومنذ البداية كسر الواقع كل التوقعات عن سير الأمور، كأن يبلغ عدد المنتسبين إلى "رَوى" ما بلغه، وأن يكثر عدد الجلسات الأسبوعية المخطط له بطلب من المنتسبين، ليصير مجموعها اليوم بعد مضي ثلاث سنوات على تأسيس النادي حوالي المئة جلسة، وبمعدل سبعة كتب في الجلسة الواحدة، فضلًا عن الندوات والورش والأنشطة الاجتماعية والثقافية والتدريبية التي نظمها النادي. كل ذلك دار في كنف ما لاقته المبادرة من كرم أهل المنطقة وتشجيعهم ودعمهم.
كنا على هذه الحال والنشاط والاستمرارية إلى حين خيّم علينا شبح الوباء، وباتت كورونا عائقًا دون جلساتنا الحضورية، فبادرنا إلى اعتماد الجلسات الافتراضية، في وقت يكاد يكون قياسيًا مقارنة بالمؤسسات والأندية الأخرى. ولأننا تعلمنا في الجامعة أن الإبداع يكون بتحويل التهديد إلى فرصة، كانت الجلسات من بُعد فعلاً بوابة عبورنا وسفرنا من فكرة حدودها بعلبك إلى فكرة لا حد لها ولا قيد. ما هي إلا أيام حتى صار عدد المنتسبين في النادي يناهز الـ300 منتسبًا ومنتسبة، فضلاً عن خمسة آلاف متابع على وسائل التواصل الاجتماعي، وهم من أقصى البقاع إلى أقصى الجنوب، وصولًا إلى فلسطين المحتلة والاسكندرية والكويت والإمارات والمغرب العربي وتونس وأذربيجان وألمانيا وغيرها من البلدان... بدأنا لاحقًا بسلسلة "بصمة قلم" حيث استضفنا العديد من الكُتّاب، كالأستاذة حوراء راغب حرب والكاتب سعود السنعوسي وغيرهم. وحين بدأ لبنان بالتعافي رويداً رويدًا من الجائحة، بدأنا باعتماد الجلسات المدمجة ولعلها كانت الأولى من نوعها، حيث تكون الجلسة حضورية في بعلبك، وفي الوقت عينه إلكترونيّة، مما لا يحرمنا نعمة حضور الأصدقاء من مختلف المناطق تحت شعار "بالحبّ نطوي المسافات" #بالحب نطوي المسافات.
"روى" عملٌ جاء ليكسر ما كان منمطًا عن صورة الشباب المتخاذل، ويبني لمُخاطب جديد لديه فرادة ذات وشخصية واثقة حاضرة في كافة الميادين، فالثقافة رسالة حيّة وتكليف إلهي، والمثقف في "رَوى" مشتبك وصورة أصيلة ستثبت أن من بلاد الشمس خرج جيلٌ واعد واعي، يجاهد بكل ما أُوتي من إرادة ليصل شمس الحق. هو جيلٌ سيعيد مجد أجداده من المفكرين والعلماء والشعراء والمثقفين المقاومين القدامى إلى الحياة، وسيقف أمام الأعمدة الستة لقلعة بعلبك متحديًا صمودها، مطلقًا صرخته للعالم "إني ولدت من رحم الجهاد لأصنع الحياة الجميلة بالقوة والثقافة".